عارضات "إنستقرام"- أجساد مُنفخة، أموال مُنفقة، قيم مُستباحة.

المؤلف: عبده خال08.21.2025
عارضات "إنستقرام"- أجساد مُنفخة، أموال مُنفقة، قيم مُستباحة.

"الوضع لا يزال على ما هو عليه" عبارة نرددها عندما يُسأل أحدنا عن وضعٍ ما ظلّ مستقراً وثابتاً دون تغيير. غالباً ما كتبتُ عن بعض الظواهر الاجتماعية التي يعتبرها الجيل القديم سلوكيات منافية للحياء والأخلاق العامة. نشهد اليوم أعاجيب وغرائب تحدث عبر منصات التواصل الاجتماعي، تلك الأعاجيب تفتقر إلى معايير ثابتة يمكن الاعتماد عليها لفهم كيفية إنتاجها أو تفسيرها، فالمقياس هنا مُتبدل ومتغيّر، وقد يتسع لدرجة أن نصل إلى القول بأنه لم تعد هناك مقاييس أصلاً! فالتعددية الفردية ورغباتها تتوزع بطريقة تجعل لكل فرد مقياسه الخاص الذي يحكم تصرفاته.

لا يسع المشاهد أو المتابع إلا أن يضع علامة استفهام وتعجب خاصة به بدلاً من البحث عن حلول، فتنوع الرغبات هائل ولا حدود له.

سأعود للحديث عن المحتوى الذي يتم نشره على منصتي "إنستغرام" و"سناب شات" كمثالين لما يحدث من تجاوزات لقواعد الذوق العام، فبعض السيدات حوّلن هاتين المنصتين إلى معارض لعرض أجسادهن والتكشف بشكل فاضح.

تنوعت أساليب العرض، فالصور ومقاطع الفيديو أصبحت تتجاوز إعلانات الأفلام الإباحية، وكل امرأة قامت بنفخ جزء من جسدها حوّلت ذلك الجزء إلى مركز للاستعراض والتباهي... من المعروف أن المرأة الجميلة تكتفي بإظهار جمال وجهها، لكن سيدات "إنستغرام" يركزن بشكل أساسي على إبراز مفاتنهن، وهن على قناعة تامة بأن هذه السلعة موجهة للاستهلاك الجمالي الزائف.

كل واحدة منهن تطلب من "المعجبين" وضع القلوب والورود لتمكينهم من التواصل معها عبر الخاص، في عملية استدراجية تهدف إلى جمع أكبر عدد من "الخراف" ثم استغلالهم مادياً. أصبحت أجساد هؤلاء السيدات المكشوفة سلعة تخضع لعمليات تقييم وفقاً لحجم عمليات "النفخ"... وثمة حيلة أخرى يلجأن إليها، وهي عرض الهدايا التي يتلقينها من المعجبين والمعجبات، وذلك طمعاً في الحصول على أجمل هدية ممكنة منهم.

هذا السياق الحديث يشير بوضوح إلى الجانب الاستهلاكي الذي طغى على حياتنا كفلسفة تحدد طبيعة العلاقة بين المال (القيمة النقدية) والقيمة (المكانة الاجتماعية أو الأخلاق)، بحيث يصبح كل شيء قابلاً للتغيير والتبديل في ظل تحول كل شيء إلى سلعة، وإتقان عرض السلعة هو مادة إعلانية بحد ذاتها.

من يدرك خطورة هذا الأمر، يجب عليه أن يفهم طبيعة العلاقات الناشئة بين أفراد المجتمع، والتي دخلت إلى دائرة قاعدة السوق (العرض والطلب). الكارثة التي بدأت تلوح في الأفق هي أن الجميع تحول إلى سلعة معروضة في المكان الذي يختاره لنفسه... سواء كنت تبيع جسدك أو ذاتك أو عقلك أو مواقفك، فكل ما هو موجود على السطح مُعرض للبيع والاستغلال!

يمكن تعميم هذه الظاهرة على نطاق أوسع بالقول إن البيع والاستغلال هما سمة هذا العصر!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة